عمر خيرت: موسيقى تتناغم بين التراث والحداثة في رحلة إبداعية فريدة


عندما وقف المؤلف الموسيقي المصري عمر خيرت على المسرح الجنوبي في مهرجان جرش في الأردن للعام 2011 اقتصر الحضور على نخبة من متذوقي ألحانه، وقتها جمع عدد من المستمعين من مختلف الطبقات وهذا دليل ان موسيقاه لم تكن لطبقة معينة وإنما لجميع الناس، وكان حفلا كلاسيكا راقيًا جمع فقط نخب المستمعين دون أي أحد دخل مجانا فكانت هذه النخبة – كما قال أكرم مصاروة مدير المهرجان حينها-
ويعد خيرت واحداً من أبرز وأهم الأسماء في مجال الموسيقى العربية والعالمية، وقد استطاع أن يُحقق لنفسه مكانة فريدة في الساحة الموسيقية طوال مسيرته الفنية. مع تاريخ يمتد لأكثر من أربعة عقود، يظل خيرت رمزاً للتفرد والابتكار في عالم الموسيقى، حيث دمج بين التراث العربي الكلاسيكي والموسيقى الغربية بأسلوب خاص جعله يحظى بجماهيرية واسعة.
بداية مشواره الفني
وُلد عمر خيرت في 11 نوفمبر 1948 في القاهرة، وبدأت مسيرته الفنية في سن مبكرة، حيث تعلم العزف على البيانو في معهد “الكونسرفتوار” بالقاهرة. انتقل بعد ذلك إلى فرنسا لدراسة الموسيقى في “باريس”، حيث حصل على عدة دراسات متخصصة في التأليف الموسيقي والعزف على البيانو. وعاد إلى مصر ليبدأ مسيرته كمؤلف موسيقي وعازف، حيث اكتسب شهرة كبيرة بفضل موهبته الفائقة التي مكّنته من التأثير في أجيال جديدة من الموسيقيين.
الأسلوب الموسيقي
تميز أسلوب عمر خيرت بالمزج بين الموسيقى الكلاسيكية الغربية والموسيقى الشرقية، وهو ما جعله واحداً من أبرز المبدعين في مجال الموسيقى التصويرية. اعتمد خيرت في أعماله على استخدام الآلات الغربية والشرقية في الوقت نفسه، مستفيدًا من خبراته المختلفة التي تعلمها في الغرب ودمجها مع الهوية الموسيقية العربية. ومن أبرز خصائص موسيقاه أنَّه يخلق توازنًا رائعًا بين العاطفة التقنية، مما يجعل مقطوعاته تصل إلى قلوب المستمعين بسهولة.

أعماله الموسيقية
تتنوع أعمال عمر خيرت بين الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات والمقطوعات الموسيقية المستقلة. من أبرز أعماله الموسيقية “فيلم ضحك ولعب وجد وحب” الذي بدأ فيه مسيرته في تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام، ليحقق نجاحاً كبيراً. كما كتب الموسيقى لأفلام شهيرة مثل “الراقصة والسياسي” و”اللعب مع الكبار” و”الطريق إلى إيلات”.
كما قدم العديد من الألبومات الموسيقية المستقلة التي لاقت إعجاباً واسعاً، مثل “أوبرا الإسكندرية” و”بهية”، فضلاً عن حفلاته الموسيقية التي نظمها في العديد من الدول العربية والعالمية. تأثرت موسيقاه بالعديد من الثقافات المختلفة، مما ساعد في خلق نوع موسيقي يتسم بالتميز والإبداع.
التأثير على الثقافة المصرية والعربية
لا يقتصر تأثير عمر خيرت على الساحة الموسيقية فقط، بل تجاوز ذلك ليؤثر على الثقافة المصرية والعربية بشكل عام. أصبحت مقطوعاته الموسيقية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين في مصر والدول العربية، وتردد أعماله في المهرجانات والحفلات الكبرى، فضلاً عن استخدامها في مناسبات ثقافية وفنية مهمة.
ومن أبرز المواقف التي جعلت موسيقى خيرت جزءًا من الهوية الثقافية، هو استخدامه لأدوات وألحان مستوحاة من التراث المصري مثل العود والناي مع إيقاعات أوروبية مبتكرة، مما منحه أسلوبًا خاصًا وعالميًا.
استمرار العطاء
حتى اليوم، يواصل عمر خيرت العمل على العديد من المشاريع الموسيقية الجديدة، حيث يقدم أعمالاً تتراوح بين الموسيقى التصويرية وألبوماته الخاصة، بالإضافة إلى إحياء حفلات موسيقية في مختلف أنحاء العالم. ورغم تزايد عدد الأسماء التي دخلت عالم التأليف والعزف الموسيقي، إلا أن عمر خيرت يظل من أهم وأشهر الأسماء في تاريخ الموسيقى العربية.
وبقي القول إن عمر خيرت واحداً من أكثر الموسيقيين تأثيرًا في تاريخ الموسيقى العربية، إذ أن أعماله تحمل في طياتها قدرة فريدة على الجمع بين الأصالة والحداثة، مما جعله أحد المبدعين الذين لا يُمكن أن يُنسوا في الساحة الموسيقية المصرية والعالمية.