مسرحية “العميان” حين يتحول العجز عن الرؤية إلى عزلة وجودية


بمشهد افتتاحي غارق في الرمزية، وقف أربعة ممثلين شابان وفتاتان يرفعون لوحات منفصلة، لا تكتمل إلا إذا التحمت معاً، كأنها استعارة بصرية لحقيقة الإنسان الناقصة وحده، والمكتملة في الجماعة ،الأسود والأحمر هي الألوان التي حضرت، تماماً كالظلال التي يبصرها العميان في داخل جفونهم حين يطبقونها لون الخوف، ولون الدم، ولون العدم.
مسرحية “العميان”، التي أخرجتها ديانا باكو ضمن فعاليات المسار الشبابي في مهرجان المسرح الحر، لم تكن مجرد سردية عن فاقدي البصر، بل قراءة مسرحية فلسفية لعمى الوعي وفقدان الإدراك.
أربعة عميان يسكنون كنيسة عتيقة مع ثلاثة عجائز لا يبصرون، يتكئون جميعهم على كاهن كان لوهلة عكازهم الوحيد في عتمة العالم، لكنه غادر دون أن يخبرهم متى ولماذا؟وحدهم الآن، يمضون أيامهم خائفين من مجهول لا يرونه، يهابون العالم خارج أسوار الكنيسة، يتساءلون عن الوقت، ويختلقون معاني لأصوات لا يدركون حقيقتها، هل هو المطر أم الرعد؟ أم ربما العاصفة؟

كل ما حولهم متروك للتخمين، للصورة التي يصنعها الخيال المهووس بالعجز، لكن الصدمة لا تأتي من الخارج، بل من الداخل من لحظة الاستفاقة الوجودية حين يهمس أحدهم: “الله هنا… لكن هل نستطيع أن نراه؟”
هكذا تُطرح أسئلة الإدراك، لتتجاوز حدود البصر نحو البصيرة هل يكفي أن يوجد الشيء لنراه؟ وهل يمكن للإنسان أن يعيش معزولاً عن المعنى لمجرد أنه لا يراه؟
“العميان” لا تحاكي العمى كإعاقة حسية، بل تستنطق الخوف الإنساني من العمى الوجودي، من التيه في عالم يفتقر للضوء وللدلالة، هي مسرحية عن الإنسان الذي يتهيب الحياة خارج مألوفه، ويخشى مواجهة ذاته حين يُترك وحيداً بلا مبصر يقوده.
العمل حمل توقيع ديانا باكو المخرجة، بمساعدة حمزة أبو الغنم، وأداء كل من عمر أبو غزالة، عبد الرحمن الجالودي، آية خليفات، ونورا عمران، مع موسيقى وإدارة خشبة ينال الحراسيس، إضاءة آية الخطيب، وتصميم لوحات نورهان عبيدات.





