قرطاج تُنير مسارحها… والأردن يوقّع حضوره بـ”الملجأ” و”حمّام الهنا”
بقلم: الصحفي بكر الزبيدي
في مساء تتلألأ فيه أضواء مدينة الثقافة بتونس، ارتفع ستار الدورة السادسة والعشرين من أيام قرطاج المسرحية، معلنًا بدء احتفال جديد بالفن الذي يصرّ على البقاء حيًّا رغم كل التحولات. أجواء الافتتاح بدت أقرب إلى عودة طويلة انتظرها الجمهور، وكأن المدينة استعادت نبضها بمجرد أن لامست الخشبة خطوتها الأولى.

وفي هذا الفضاء المضيء، سجّل الأردن حضوره بعملين يعكسان حساسيته المسرحية وتقاليده الفنية: مسرحية “الملجأ” للمخرجة سوسن دروزة ضمن المسابقة الرسمية، ومسرحية “حمّام الهنا” للمخرج هشام سويدان في قسم العروض العربية والإفريقية. حضور أردني يتقدّم بخطى واثقة، ويضيف إلى البرنامج نبرة مختلفة مشغولة بالإنسان وأسئلته.
وتتواصل أيام قرطاج حتى التاسع والعشرين من تشرين الثاني، بمشاركة 125 عرضًا من 32 دولة، اختارت لجنة التحكيم منها 12 عرضًا للتنافس على جوائز المسابقة الرسمية. أما العروض العربية والأفريقية فتضم ستة أعمال من بينها “حمّام الهنا“، بينما يستقبل قسم “مسرح العالم” خمسة عشر عرضًا من مدارس وتجارب متنوّعة، إلى جانب عروض للأطفال وأعمال قادمة من داخل المؤسسات الإصلاحية، في صورة تعكس رغبة المهرجان في إبقاء الفن متاحًا لكل المساحات والأصوات.
وفي الجانب الفكري، يقدّم المهرجان ورشًا ولقاءات تبحث في جوهر الفعل المسرحي، وتمارين الجسد والنفس واللغة، إضافة إلى مقاربات في الارتجال وكتابة النص من بدايته الورقية حتى صوته فوق الخشبة. كما تشهد هذه الدورة إطلاق المنتدى المسرحي الدولي للمرة الأولى، من 24 إلى 26 تشرين الثاني، تحت عنوان “الفنان المسرحي: زمنه وأعماله”، في محاولة لإعادة التفكير في علاقة المبدع بزمنه ومسيرته وتجربته.

ورغم الجمالية التي ميّزت الافتتاح، إلا أن شيئًا من التردّد بدا واضحًا في بنيته الدرامية. فقرطاج التي اعتادت أن تفاجئ جمهورها بخيارات جريئة ومغامرة، بدت هذا العام أقرب إلى الاطمئنان الفني منها إلى القلق الإبداعي الذي يمنح المسرح نبرته الأكثر حيوية. اختيارات المسابقة الرسمية انحازت إلى الأعمال المتماسكة تقنيًا، لكنها لم تذهب بعيدًا في التجريب أو في زعزعة يقين المتلقي، وهو ما كان دائمًا أحد أسرار قوة هذا المهرجان.
أما عرض “الملك لير” الذي اختُتم به الحفل، فرغم ثقله الفني وبراعة أداء النجم يحيى الفخراني، إلا أنه منح الافتتاح صبغة أقرب إلى الاحتفاء بالعمل ذاته من تقديم رؤية لافتة تُعلن ملامح الدورة الجديدة. بدا الافتتاح أنيقًا، لكنّه لم يطرح الأسئلة التي اعتادت قرطاج أن تُحرّك بها ذائقة جمهورها.