موقع عسكري نادر لمعركة القادسية يظهر جنوبي العراق
في تطور أثري ملفت قد يعيد رسم ملامح واحدة من أهم محطات التاريخ الإسلامي، أعلن فريق بحثي عراقي–بريطاني عن اكتشاف موقع عسكري نادر بين محافظتي النجف والديوانية، يعتقد أنه مرتبط مباشرة بمعركة القادسية التي جرت سنة 15 للهجرة (636 ميلادية)، وأدت إلى انهيار الإمبراطورية الفارسية وفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة.
ويصف باحثون هذا الاكتشاف بأنه الأكثر أهمية منذ سنوات في مجال دراسة الفتح الإسلامي، نظراً للموقع الاستراتيجي الذي تم العثور عليه وطبيعة المعالم التي كشفتها أعمال المسح الحديثة.
معالم واضحة لحصن عسكري… وتكنولوجيا أجنبية تعزز البحث العراقي
وقال حميد الياسري، عميد كلية الآثار في جامعة الكوفة، إن الموقع يضم حصناً وجدراناً دفاعية بارزة تؤكد أنه كان نقطة عسكرية فاعلة أثناء أحداث القادسية، مضيفاً أن مشاركة الفريق البريطاني أسهمت في نقل خبرات متقدمة للكوادر العراقية في مجال التنقيب، ما يفتح الباب أمام اكتشافات أخرى محتملة في المنطقة.

من جانبها، أوضحت كريستين هوبر، رئيسة البعثة البريطانية من جامعة دورهام، أن الفريق البحثي استخدم تقنيات عالية الدقة مكّنتهم من تأكيد وجود منشآت عسكرية تعود للقرن السابع الميلادي. واعتبرت أن المنطقة المكتشفة “تحمل طبقات من الذاكرة التاريخية لم تُفكّ شفرتها بعد”.
خمسة بالمئة فقط مستكشفة… وكنوز العراق ما تزال تحت التراب
في المقابل، أشار محمد الميالي، مدير مفتشية آثار النجف، إلى أن المحافظة وحدها تضم أكثر من 200 موقع أثري، لكن نسبة التنقيب لا تتجاوز 5%، ما يبرز حجم الإمكانات الأثرية غير المكتشفة في جنوب العراق.
قراءة تاريخية: القادسية واليرموك… مفصلان يعيدان تشكيل خريطة العالم القديم

ورأى الخبير الآثاري إبراهيم الجبوري أن الاكتشاف يمثل “نافذة جديدة لفهم الاستراتيجيات القتالية” التي اتبعها الجيش الإسلامي في معاركه الكبرى. وأوضح أن معركتي القادسية واليرموك في سنة 15 هجرية غيّرتا مسار الصراع بين المسلمين وأكبر قوتين آنذاك — الفرس والبيزنطيين — ومهّدتا لبداية مرحلة توسع غير مسبوقة خارج الجزيرة العربية.
إرث منهوب… واستعادة 30 ألف قطعة أثرية

وفي سياق متصل، لفت فاضل البدراني، وكيل وزارة الثقافة والآثار، إلى أن العراق يضم أكثر من 15 ألف موقع أثري، لم يُستكشف منها سوى أقل من 10%، مشيراً إلى أن أعمال النهب التي جرت عقب الغزو الأميركي عام 2003 أسفرت عن سرقة آلاف القطع الأثرية، قبل أن تنجح بغداد لاحقاً في استعادة أكثر من 30 ألف قطعة من مختلف دول العالم، بينها 17 ألف قطعة أعيدت من الولايات المتحدة.
اكتشاف يعيد إحياء الذاكرة… ويضع جنوب العراق تحت مجهر العالم

ويرى مختصون أن هذا الاكتشاف قد يفتح الباب أمام نهضة بحثية جديدة في دراسة تاريخ الفتح الإسلامي، خصوصاً أن المواقع العسكرية المبكرة غالباً ما تُذكر في المصادر التاريخية دون شواهد مادية مباشرة.
ويأمل الباحثون أن يؤدي هذا الكشف إلى دفع السلطات لتوسيع عمليات التنقيب في الجنوب العراقي، حيث تشير التقديرات إلى أن معظم كنوز البلاد ما تزال مطمورة تحت طبقات من التراب لم يُكشف عنها بعد.